أعمال فنية بارزة في المعرض الذي جمع بين مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومتحف سيول للفنون. تأسست “المجموعة للثقافة والفنون” عام 1996، وهي بذلك تعدُّ واحدة من أعرق المؤسسات الثقافية في منطقة الخليج والعالم العربي. وتعنى المجموعة بدعم منجز الثقافة والفنون واستدامة التنمية الثقافية، عبر احتضان الإبداع والإسهام في إثراء الرؤية الثقافية لأبوظبي. وتقدّم المجموعة طيفاً واسعاً من المبادرات منها مهرجان أبوظبي. والعديد من المنصات الشبابية والبرامج المجتمعية التي تستقطب جماهير متنوعة. كما ترعى الإمكانات الإبداعية داخل الإمارات وخارجها بالتعاون مع كبريات المؤسسات الثقافية المحلية والعالمية.
حول الحدث نتعرف على المزيد من التفاصيل مع مايا الخليل:

أعمال فنية بين مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومتحف سيول للفنون
نشأ هذا التعاون لتنظيم المعرض المُقام برعاية فخرية من سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان. نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، الراعي الفخري المؤسس لمهرجان أبوظبي. وتحت رعاية سمو الشيخة شمسة بنت حمدان بن محمد آل نهيان. انطلاقًا من إيمان مشترك لدى مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومتحف سيول للفنون بقدرة الفن . على مدّ جسور التواصل بين الثقافات و وتوثيق التحولات الإنسانية الكبرى في مجالات الفن والحياة والتكنولوجيا.
خلال زيارنا ضمن فريق مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون إلى سيول في مايو 2024. شاهدت لأول مرة مجموعة الأعمال الفنية الخاصة بالمتحف. وقد أدهشني ما تضمنته من عمق وتعقيد، لاسيما فيما يتعلق بتتبعها لتفاعل الشعب والفنانون . في كوريا الحديثة مع التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة. واتضح لنا على الفور أنّ هذه المحاور تتقاطع بعمق . مع تجربة دولة الإمارات الحديثة في علاقتها بالاصالة والمعاصرة والتحولات العمرانية والتكنولوجية المتسارعة. ومن هنا، انطلق هذا الحوار القائم على الاحترام المتبادل والاهتمام والتلاقي الفكري، حيث رأت المؤسستان في هذا التلاقي فرصة لإيجاد منصة فنية تتيح لكل من الجمهور الكوري والجمهور العربي استكشاف أوجه التقارب والاختلاف بين الثقافتين عبر الفن.
كيف ينسجم هذا المعرض مع رسالة كل من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومتحف سيول للفنون في تعزيز التبادل الثقافي والابتكار الفني؟
تسعى كل من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومتحف سيول للفنون. إلى إعادة النظر في المفاهيم الفنية السائدة ومحاولة تطويرها مفاهيمياً وموضوعياً وتعزيز الحوار من خلال ممارسات فنية مبتكرة. ويجسد معرض “الوسائط المتعددة: كلنا دوائر مفتوحة” هذه
الرسالة المشتركة بشكل مثالي؛ إذ يتعدى الهدف مجرد عرض الأعمال الفنية. ليساهم في فتح دوائر – باستخدام مصطلحات الفنان نام جون بايك . لإطلاق تفسيرات جديدة للمعاني الفنية المعتادة تتقاطع مع الهوية والثقافة والتاريخ. في سياق التحولات الاجتماعية والتكنولوجية المستجدة. أرى أن هذا المعرض يشكل بالنسبة لمتحف سيول للفنون نافذة جديدة تطل منها المجموعة على رؤى غير مألوفة. أما فيما يخص مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون فهو يعزز التزامها الطويل بمد الجسور الثقافية وتمكين مشهد الثقافة والفنون الاستثنائي في دولة الإمارات. والأهم أنه يتيح للفنانين والجمهور في كلا البلدين فرصةً حقيقية لتبادل الأفكار والخبرات والرؤى والتفاعل مع نظرائهم.
ما مدى أهمية استقطاب الفن الكوري المعاصر إلى منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في هذا التوقيت تحديداً؟
نعيش اليوم تحولات كبيرة على المستويات التكنولوجية والاجتماعية والبيئية، ويقدّم الفن الكوري المعاصر استجابة فنية متميزة ومتعددة الوسائط لهذه المتغيرات. لطالما تناول الفنانون الكوريون قضايا الهوية، والذاكرة، والوسائط. والحداثة، مستعينين بممارساتهم الإبداعية لمعالجة هذه التغيرات والوساطة بينها، لتحقيق توازن دقيق بين ما كان وما سيكون. ونظراً لما تشهده دولة الإمارات من تجارب حداثية مشابهة للتجربة الكورية تتمثل في العمران المتسارع والعولمة. فإن هذه الموضوعات تلامس وجدان جمهور مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ومن هنا، فإن إدخال فن الوسائط الكوري إلى هذا السياق يعد خطوة بالغة الأهمية في هذا التوقيت بالذات. لما يوفر ذلك من آفاق واسعة للتأمل والمقارنة والتلاقي الفكري بين مناطق جغرافية تتقاطع أكثر مما يعتقد معظمُنا. ولا يقلُّ أهمية عن ذلك كونُ هذه العملية تبادلية بين البلدين الصديقين. إذ نعمل في المقابل على إعداد معرض للفن المعاصر من إبداع فنانين من دولة الإمارات، سيتم عرضه في العاصمة الكورية سيول في وقت لاحق من هذا العام.

كيونغ هوان يو
هل يمكن الحديث عن أهمية تقديم سرد تاريخي لفن الوسائط الكوري منذ ستينات القرن الماضي حتى اليوم؟
يتيح هذا المنظور التاريخي إمكانية تتبّع مسار تطوّر هذا الشكل الفني، إلى جانب رصد التحول في دور الفنان داخل المجتمع الكوري. بداية من رواد الفن الأوائل الذين استخدموا الوسائط كأداة للتعبير عن رؤاهم وقضاياهم الوطنية والإنسانية ومواقفهم المفاهيمية. وصولًا إلى الفنانين المعاصرين الذين يتنقلون بين فضاءات الهوية الرقمية والتجارب الحسية. ويقدم المعرض سرداً فنياً يبرز كيفية تفاعل الأجيال المتعاقبة من الفنانين مع محطات هامة في التاريخ السياسي والثقافي لكوريا. ومن خلال هذا التأطير، نتيح لجمهور أبوظبي فهماً أعمق لمسار تطور فن الوسائط الكوري. وللكيفية التي يواصل من خلالها المساهمة صياغة سرديات الفن العالمية.
كيف يُسهم هذا المعرض في إعادة تشكيل التصورات السائدة عن الفن الكوري على الساحة العالمية؟
كثيراً ما يرتبط الحضور الثقافي الكوري بمجالات مثل موسيقى البوب الكورية أو السينما أو الموضة. ورغم أهمية هذه المجالات، إلا إن الفن الكوري المعاصر، لا سيما فن الوسائط، لا يزال يحظى بتمثيل محدود. ويهدف معرض “الوسائط المتعددة” إلى كسر هذه القيود من خلال تقديم رؤية أكثر اتساعا لمسيرة الفن الكوري. وتجاوز الأبعاد الجمالية؛ فمن خلال استعراض كيفية معالجة الفنانين الكوريين لموضوعات الإعلام والهوية. والمجتمع عبر وسائط تجريبية، يسهم المعرض في إعادة تسليط الضوء على الفن الكوري. كعنصر فاعل في الحوارات العالمية حول دور الفن في لحظات التحول، لا كمجرد امتداد هامشي للمشهد الثقافي العالمي.

يغطي معرض “الوسائط المتعددة: كلّنا دوائر مفتوحة” أكثر من ستة عقود من الممارسة الفنية. ما أبرز الموضوعات أو التيارات التي تسعون إلى إبرازها ضمن هذا السياق التاريخي الممتد؟
تمحورت مقاربة المعرض حول مفهوم “الوسائط” لا بوصفها مجرد أدوات مادية. بل ككيانات مفاهيمية وموضوعية وحيّز دلالي يعزز المعنى ويعيد تشكيله. انطلقنا من التجارب الرائدة في فن الفيديو والأداء الحي خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي. وصولاً إلى الأعمال التركيبية الرقمية الغامرة التي تُعبّر عن ممارسات معاصرة مفعمة بالحسّ التجريبي. سعينا لتسليط الضوء على كيفية توظيف الفنانين الكوريين للوسائط كوسيلة للتوافق مع التحولات السياسية والثقافية. والتعبير عن مواقفهم الوجودية الفكرية والفلسفية المختلفة. من بين المواضيع الرئيسية التي يستعرضها المعرض مركزية الجسد والمجتمع والفضاء/ المكان أو الحيّز كأداة إدراك ووسيط تعبيري. العلاقة المتشابكة بين الذاكرة والتكنولوجيا، وتحولات الهوية في بيئة تتكاثف فيها الوسائط بشكل متسارع. هذه الثيمات، رغم طابعها الكوني. تتجلى في المعرض برؤية ذات فرادة ثقافية تعبّر عن خصوصية التجربة الكورية ضمن سياق عالمي أوسع.
كيف ترين تفاعل فن الوسائط الكوري مع الحركات الفنية المعاصرة في منطقة الشرق الأوسط؟
هناك أوجه تشابه لافتة. إذ شهدت كل من كوريا ودول عديدة في العالم العربي والشرق الأوسط وخاصة منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تحوّلات متسارعة ارتبطت بالتحديث، وواجهت هذه الدول، كما كوريا قضايا معقّدة تتعلق بالهوية. وتعاملت مع توترات مستمرة بين التقاليد والاصالة من جهة والتقدّم والحداثة من جهة أخرى. ويُقدّم فن الوسائط الكوري. من خلال تركيزه على التجريب المادي والدقة المفاهيمية، روابط ذات دلالة مع الممارسات المعاصرة الناشئة في الشرق الأوسط. لاسيما فيما يتعلق بالإعلام، وفن الأداء، وسياسات الذاكرة. يُمثّل المعرض ملتقىً لاستكشاف هذه الاهتمامات المشتركة. لا من خلال المقارنة المباشرة، بل عبر تجاور متعدد الطبقات، يفتح آفاقاً جديدة للحوار الثقافي والتعاون الفني.
“مايا الخليل” و”كيونغ هوان يو”
ما أبرز التحديات التنظيمية أو اللوجستية التي واجهتكم عند تنظيم معرض شامل وعابر للحدود بهذا الحجم؟
أحد التحديات الرئيسة تمثل في كيفية إيصال مجموعة أعمال فنية ذات سياق ثقافي ومعرفي عميق إلى جمهور قد لا يكون ملماً بالخلفية التاريخية التي تستند إليها. من دون الإخلال بدقّتها أو التقليل من أثرها. تطلب هذا الأمر تفكيراً عميقاً في آليات تأطير الأعمال . وتسلسلها، وتوظيف التصميم المكاني كوسيلة سردية تسهم في بناء المعنى، إلى جانب خلق نقاط دخول مختلفة تُراعي تنوّع الزوّار وخلفياتهم.. كما استلزم التعاون بين الفرق في سيول وأبوظبي مستوى عاليًا من التنسيق،. خصوصًا فيما يتعلّق بحفظ ونقل وتركيب الأعمال الفنية فائقة الحساسية. ومع ذلك، شكّلت هذه العملية بحد ذاتها تجسيدًا لمفهوم المعرض، القائم على الدوائر المفتوحة والمعنى المتجدّد.
ما هي الرسائل أو الأصداء التي تأملون أن يخرج بها جمهور أبوظبي والمنطقة العربية بعد زيارتهم لهذا المعرض؟
نأمل أن يغادر الزوار وقد تولد لديهم شعور بالاكتشاف، وأن يكونوا قد واجهوا تجربة جديدة،. تحفز على التفكير، وتترك أثرا على المستويين الفردي والمجتمعي. لا يقتصر المعرض على استعراض التجربة الكورية فحسب، بل يتناول أيضا كيفية مساهمة الوسائط في تشكيل رؤيتنا للعالم، وتاثيرها في وجداننا وذاكرتنا. لا شك أن جمهور أبوظبي سيتفاعل بعمق مع قضايا الهوية والتطور والذاكرة الثقافية. ونأمل أن يساهم هذا التفاعل في خلق نقاشات جديدة حول دور الفن في التفاعل مع التغيير وتوثيقه. وفهم الوسائط كأداة للتكامل، بما يتيح توليد إمكانيات جديدة في أوقات تتسم بغموض . وضبابية النظرة المستقبلية إلى العلاقة بين الإنسانية والتقنية والذكاء الاصطناعي.

ما المنهجية التي اتبعتموها في اختيار الفنانين والأعمال المعروضة ضمن هذا المعرض؟
جاء اختيار الأعمال نتيجة جهد تعاوني كبير، استند إلى أشهر من البحث والحوار البنّاء. حرصنا على تمثيل رموز مؤثرة مثل نام جون بايك وبارك هيونكي، اللذين أسسا لمقاربات شكلت ملامح الفن الكوري المعاصر. إلى جانب أصوات فنية معاصرة تسهم اليوم في صياغة فن الوسائط بمقاربات جديدة. حرصت عملية الاختيار على تحقيق توازن دقيق بين الأهمية التاريخية والوضوح المفاهيمي. وضمان تنوع الرؤى من حيث الأجيال والنوع والأساليب الفنية. وكان على كل عمل أن يتماهى مع السرد الفني العام، ويسهم في تشكيل الإيقاع البصري واللغة المكانية للمعرض بصورة متكاملة.