في عالمٍ تتشابه فيه الأصوات وتتكرر القوالب، تبرز الفنانة مايا واكد كحالةٍ فنيةٍ متفردة، تشبه في تكوينها رحلةً عابرة للقارات. هي ابنة الذاكرة الرحبانية العتيقة، لكنها اختارت أن تلبس تلك الذاكرة رداءً عالمياً من “الجاز” و”البوسا نوفا”. من بيروت إلى كندا ودبي، لم تكن مايا تنتقل بين المدن فحسب، بل كانت تجمع شتات الروح لتبني منه “وطناً موسيقياً” يأوي إليه كل من يشعر بالغربة.
في هذا الحوار الخاص لـ “ميوز آرابيا“، نغوص في أعماق تجربتها، ونستكشف كيف تحول المزج الموسيقي لديها من قرار فني إلى انعكاس للهوية، وكيف ترى “الفخامة” بعين الفنانة المبدعة.
س: دعينـا نبدأ من هويتك الموسيقية الفريدة.. كيف تنجحين في المزج بين أصالة فيروز والرحابنة وروح “الجاز” العالمية؟ وهل تعتبرين هذا المزيج جواز سفرك نحو العالمية؟
مايا واكد: أنا ابنة الصوت الذي كبرت عليه؛
مايا واكد: أنا ابنة الصوت الذي كبرت عليه؛ فيروز والرحابنة هما الذاكرة التي أحملها معي دائماً كوشم في الروح. وحين تعرفت أكثر على موسيقى “الجاز” (Jazz) و”البوسا نوفا” (Bossa Nova)، لم أشعر بغربة، بل شعرت أن هذه الأنماط تشبهني في حريّتها وشفافيتها. لذا، فإن المزج بينهما لم يكن قراراً فنياً مدروساً بقدر ما هو انعكاس تلقائي لطبيعتي وتكويني. أما عن كونه جواز سفر للانتشار، فأنا أؤمن أن الموسيقى الصادقة لا تحتاج إلى ترجمة؛ يكفي أن تخرج من القلب لتُفهم في كل مكان، وهذا المزيج هو لغتي التي أخاطب بها العالم.
س: تصفين موسيقاك بأنها “وطنٌ للمغتربين وجسرٌ بين الثقافات”. ما القصة وراء هذا الوصف، وكيف صاغت حياتك بين لبنان وكندا ودبي هويتك الفنية؟
بدأت مسيرتي الفنية وأنا مغتربة
مايا واكد: أسميها “وطناً للمغتربين” لأنها مرآة لرحلتي الشخصية. لقد بدأت مسيرتي الفنية وأنا مغتربة عن وطني الأم، وعشت متنقلة بين لبنان وكندا ودبي. كل مدينة من هذه المدن تركت في داخلي طبقة جديدة من الإحساس، واللغة، والنغم. هذا الترحال الدائم جعلني أبحث عن وطنٍ لا تحدّه الجغرافيا، وطن أستطيع حمله في حقيبتي أينما ذهبت، فوجدته في الصوت والأغنية. حين أغنّي، أحاول بناء جسر بين هذه العوالم، لأهمس لكل من يشعر أن قلبه موزع في أكثر من مكان: “لست وحدك.. يمكن للموسيقى أن تكون بيتك أيضاً”.
س: التأثر بالعمالقة سلاح ذو حدين. ما هي الدروس التي استخلصتها من مدرسة فيروز وزياد الرحباني، وكيف ساعدتك على إيجاد بصمتك الخاصة؟
من زياد الرحباني تعلمت “الجرأة”
مايا واكد: تعلمت من هذه المدرسة ما هو أبعد من تقنيات الغناء. من السيدة فيروز تعلمت “نقاء الأداء”، وكيف يمكن للإحساس الصادق أن يلمس القلوب دون تكلف. ومن زياد الرحباني تعلمت “الجرأة”: الجرأة في اللون الموسيقي، وفي الكلمة، وفي كسر القوالب التقليدية. زياد كان يبحث دائماً عن آفاق جديدة، ومتواضعاً وحساساً مع كل من يعمل معه. هذه الدروس لم تأتِ فقط من التعاون المباشر، بل من سنوات من التأمل والاستماع. لقد كانت أعمالهم محفزاً لي لأبحث عن صوتي الخاص لا عن “نسخة” مكررة عنهم، مما منحني الثقة للانطلاق كفنانة تملك هويتها المستقلة.
س: بين الكتابة والتلحين، من أين تستمد مايا واكد إلهامها؟ وما هي الأغنية التي تسكن روحك حالياً؟
الذكريات، والحب هم دائماً وقود للإبداع
مايا واكد: الإلهام يأتي متعدداً؛ أحياناً أكتب كلمات على لحن عالمي معروف، مستلهمة الموضوع من روح الأغنية الأصلية مع إضافة لمستي الخاصة. الأوطان، الذكريات، والحب هم دائماً وقود للإبداع. ولأنني كثيرة التنقل، فالأماكن تلهمني جداً؛ فعلى سبيل المثال، أغنية “حلمي غنيلك” لبيروت ولدت في لندن خلال عزلة “كورونا”. أما عن الأغنية الأقرب لروحي، فمن الصعب الاختيار. أشعر أن كل عمل جديد أطلقه يصبح هو الأقرب لفترة معينة، كأنه طفل جديد، ثم تأتي أغنية أخرى لتأخذ مكانها في الصدارة.
س: لنتحدث عن الصورة البصرية.. كيف تصفين أسلوبك في الأزياء، وهل تعتمدين استراتيجية معينة في مظهرك على المسرح؟
أميل دائماً إلى الأناقة البسيطة ولاكني غير المتكلفة
مايا واكد: أميل دائماً إلى الأناقة البسيطة غير المتكلفة (Minimalist Elegance)، سواء في حياتي اليومية أو على المسرح، ولدي شغف خاص باللونين الأحمر والأسود. المظهر بالنسبة لي جزء من العرض؛ ففي حفلي الأخير بمسرح زعبيل، بدأت بفستان أسود، ثم استبدلته بآخر أحمر. هذا التغيير لم يكن شكلياً فقط، بل كان فاصلاً بصرياً بين المقطع الأول من الحفل والمقطع الثاني الذي يختلف في الإيقاع، مما خلق تفاعلاً جميلاً وحيوياً مع الجمهور.
س: في ظل هيمنة العالم الرقمي، كيف يبني الجمهور “مجتمع” مايا واكد الموسيقي؟
مايا واكد: الجمهور هو البوصلة. سواء كنت أغني مباشرة في الحفلات أو أتابع التعليقات عبر المنصات الرقمية، تصلني مؤشرات صادقة حول ما يلامسهم فعلاً. هذا التفاعل يساعدني على رؤية موسيقاي من زوايا جديدة، ويجعلني حريصة على تقديم برنامج متنوع في كل حفل؛ برنامج يُفرحهم ويفاجئهم في آنٍ واحد، مما يخلق رابطاً قوياً ومجتمعاً متفاعلاً حول الموسيقى التي نقدمها.
س: بعد نجاح جولاتك الأخيرة، إلى أين تأخذك الموسيقى في المستقبل القريب؟
أعمل حالياً على مجموعة أغاني جديدة سترى النور قريبا
مايا واكد: أعمل حالياً على مجموعة أغاني جديدة سترى النور في أوائل عام 2026. كما أنني بصدد تكرار تجربة الحفلات وتوسيع نطاقها بين الإمارات ومدن أوروبية عريقة مثل ميلانو وجنيف، لنواصل مد الجسور الموسيقية.
س: ختاماً، وبما أننا في “ميوز آرابيا”، دليل الفخامة وأسلوب الحياة الراقي.. ما هو تعريفك الشخصي للرفاهية؟
مايا واكد: في عصرنا الذي تحكمه الصورة السريعة، أرى أن “ميوز آرابيا” تقدم مساحة نادرة من الانسجام الفكري والجمالي. بالنسبة لي كفنانة، الرفاهية والفخامة الحقيقية تكمن في “الاستمرارية” والقدرة على الإبداع بصدق بعيداً عن القوالب الجاهزة.
وكلمتي الأخيرة للقراء: الفخامة ليست مفهوماً مادياً موحداً، بل هي تجربة شخصية تتشكل من الوعي، والذوق الرفيع، والقدرة على تذوق الجمال الكامن في أدق التفاصيل.
حوار محمد عانم

